- تحالف أُسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية – داعش
التحالف: “تحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية-داعش” هو جمعية ذات نفع عام غير ربحية سُجلت في فرنسا بالعام 2019.
الأُسر: “تحالف الأُسر” تأسس بمبادرة من عائلات أشخاص كان قد اختطفهم أو اعتقلهم أو أَسَرَهم تنظيم داعش في سورية بين العام 2013، العام الذي أعلن التنظيم فيه عن نفسه، والعام 2019، عام انهيار التنظيم وفقدانه السيطرة على المناطق التي حكمها طوال ست سنوات. هذه الأُسر مُمَثلة في التحالف بنساء ورجال فقدوا فردًا أو أكثر من عائلاتهم: أم أو أب، ابنة أو ابن، زوجة أو زوج، شقيقة أو شقيق.
تتوزع أماكن إقامة أُسر الأفراد المُغيبين في الوقت الحالي بين سورية وتركيا وأروبا. لكن باب الانضمام إلى “التحالف” مفتوح أمام ممثلين آخرين لأُسر ضحايا تنظيم داعش بغض النظر عن جنسياتهم أو أماكن تواجدهم أو معتقدهم أو ما يحملونه من توجهات ثقافية وسياسية.
المُختطفون والمعتقلون والأسرى لدى داعش يشملهم جميعًا وصف “المخفيين قسرًا”، ما داموا لم يظهروا بعد انهيار تنظيم داعش وما دامت مصائرهم أو أماكنهم، سواء كانوا أحياء أو موتى، لم تُعرف حتى الآن.
إنَّ مَنْ غَيّبهم تنظيم داعش، خطفًا أو اعتقالًا أو أسرًا، أثناء سيطرته على أجزاء من سورية هم إما ناشطون سياسيون معارضون أو قادة مجتمعات محلية أو إعلاميون أو مقاتلون في فصائل معارضة أو مدنيون ينتمون لتيارات وتنظيمات خالفت تنظيم داعش في توجهاته وممارساته أو مدنيون من طوائف أو إثنيات أخرى غير التي ينتمي إليها أعضاء التنظيم أثناء عمليات توسعه العسكري أو ببساطة مُرتكبي مخالفات سلوكية تستوجب العقوبة في عُرف التنظيم.
كانت عائلات المختطفين قد حملتْ، منفردة أو في مجموعات صغيرة، مسؤولية إبقاء قضية المفقودين لدى داعش حيةً على الصعيدين الإعلامي والاجتماعي بقدر طاقاتها وإمكانياتها منذ بدأت هذه الظاهرة في العام 2013. لكن القضية بقيتْ غائبة ومهملة على الصعيد السياسي سواء خلال فترة قوة التنظيم وسيطرته أم بعد انهياره وتحلل بناه المركزية وفقدانه السيطرة على الأرض مطلع العام 2019.
ابتداءً بالعام 2014، أدتْ العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش إلى تفتت مناطق سيطرته بين القوى المتصارعة في سورية بشكل تدريجي، فقد حلَّتْ ثلاث قوى سياسية-عسكرية متخالفة محل تنظيم داعش في السيطرة على مناطق سبق أن حكمها التنظيم أو تواجد فيها جزئيًا في الفترة المذكورة:
- النظام السوري في أجزاء من ريف حلب الشمالي والشرقي والجنوبي كما في ريف الرقة الجنوبي والجنوبي الشرقي وريف دير الزور الشرقي والغربي من جانب البادية (الشامية) بالإضافة إلى مناطق واسعة من البادية السورية التابعة إداريًا لمحافظات حمص وحماة والرقة ودير الزور.
- قوات سورية الديمقراطية في محافظات الجزيرة السورية الثلاث، الرقة ودير الزور والحسكة، مدعومة من التحالف الدولي المناهض لداعش.
- فصائل معارضة في الأجزاء الشمالية من محافظات إدلب وحلب والرقة مدعومة من تركيا.
لم يلتفتْ أيًا من هذه القوى الثلاث إلى ملف المغيبين لدى داعش، فيما انصب الاهتمام أكثره على المقابر الجماعية التي خلفها التنظيم وراءه. إذ وفرتْ الولايات المتحدة الأمريكية تمويلاً لفرق استجابة أولية-تابعة لمجالس محلية معينة من قوات سورية الديمقراطية- عملت على نبش المقابر الجماعية بطرق بدائية ونقل الُرفاة إلى مقابر رسمية. لكن عمليات النبش هذه لم تساعد في كشف مصير أيًا من المغيبين، بل ساهمت في تحديد هويات بعض الجثث على أنها لمقاتلين من تنظيم داعش كما في نقل وإعادة دفن رفاة مدنيين محليين كانوا قد سقطوا أثناء العمليات العسكرية ضد داعش.
ملف المفقودين غاب أيضًا عن اهتمام المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، باستثناء تقرير أصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش بعنوان مخطوفو “داعش”: التقاعس عن كشف مصير المفقودين في سوريا في شهر شباط من العام 2020.
يعمل “تحالف أُسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية-داعش” على تحقيق هدفين أساسيين هما الكشف عن مصير المختطفين، الذين أصبحوا مَخفيين قسرًا حال اختطافهم، وجلب المسؤولين عن اختطافهم وإخفائهم إلى العدالة لمحاسبتهم. ولهذا فإن “التحالف” منفتح على التعاون مع المنظمات المحلية الدولية العاملة في مسائل كشف المصير ويعمل بنفسه على توثيق حالات الاختطاف من أجل بناء القضية من جوانبها الاجتماعية والسياسية والحقوقية والقانونية وملاحقة مرتكبي جرائم الخطف والاعتقال.
- سياق الأحداث
في سياق ثورات الربيع العربي، انطلقت الاحتجاجات السلمية في سورية في شهر آذار من العام 2011. قابلت السلطات السورية هذه الاحتجاجات بالقتل والاعتقال. هذه الممارسات دفعت مدنيين إلى التسلح كما دفعت عناصر في الجيش والأجهزة الأمنية إلى الانشقاق والانضمام إلى الانتفاضة للدفاع عن المتظاهرين السلميين. وفي صيف هذا العام بدا واضحًا أن مطالب التغيير تجذرت في الشارع السوري وأن العودة إلى ما قبل آذار لم تعد ممكنة بحال، بالمقابل بدا أن مرتكزات قوة النظام بدأت تتخلخل وأن المقومات الاجتماعية والسياسية الداخلية لاستمراره في السلطة بدأت تتآكل. ولهذا فقد لجأ النظام إلى الخارج منذ صيف هذا العام، إذ بدأ يظهر للشارع السوري تدخل مباشر من حزب الله اللبناني وإيران في مساعدة النظام على قمع السوريين المنتفضين.
وفي شهر أيار من هذا العام أيضًا أصدر رأس النظام مرسوم عفو عام عن المئات من الجهاديين الذين كان قد اعتقلهم لفترات متفاوتة إما بسبب تشكيلهم لمجموعات جهادية أو إثر عودتهم إلى سورية بعد انضمامهم إلى مجموعات جهادية ومشاركتهم في القتال في العراق ضمن تشكيلات جهادية بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في العام 2003. هؤلاء الجهاديون كانوا سوريين وأجانب، وكان نظام الأسد قد صدَّر السوريين منهم إلى العراق منذ العام 2003، وسهَّلَ مرور الأجانب منهم عبر سورية إلى العراق. في الوقت ذاته، واصل النظام اعتقال وقتل المتظاهرين والناشطين المدنيين السلميين والمواطنين الصحفيين بعشرات الآلاف وأنشأ سردية متكاملة عن أن المنتفضين سلفيون إرهابيون خالقًا نبوءة كان قد ساهم في تحقيقها قبل ذلك في العراق ولبنان وبدأ يسهم في تحقيقها الآن في سورية.
بالتزامن مع ذلك، تصاعدت ابتداءً من صيف هذا العام أيضًا عمليات النظام العسكرية وحملاته الأمنية ضد الأحياء والمدن المنتفضة، فبدأ باقتحام المدن واستباحة الأحياء المنتفضة حيث ارتكب فيها مجازر على أساس طائفي واغتصب جنوده نساء شاركن في الاحتجاجات وهَجَّر ولا يزال ملايين السوريين من بيوتهم في ظاهرة هي الأوسع بعد الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، كان النظام، في هذه الأثناء، قد فقد السيطرة على مساحات واسعة من التراب السوري. وبدا واضحًا أن سورية تتحول شيئًا فشيئًا إلى دولة فاشلة. وهذا الحال كان ملائمًا على الدوام لعمل التنظيمات الميليشياوية التي نجح عدد منها في خلق موطئ قدم لها في سورية بصورة متدرجة، مما زاد من تعقيد الأمور على الأرض ودفع عدد من الدول، دول الخليج العربي وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، للتدخل بصورة مباشرة في الصراع السوري بعد أن كان تدخلها يتم عن طريق وكلاء محليين لها.
القتل والتدمير والتهجير بصورة ممنهجة إضافة إلى إطلاق آلاف الجهاديين من السجون خلق بيئة مواتية لتحويل الصراع في سورية من شكله السياسي إلى صراع طائفي مما عزز موقع النظام في الخارج، كما أن تدخل الدول أخرج السوريين من المعادلة نهائيًا.
بحلول العام 2013 ومع تصاعد العنف وتطييفه وتدويله الحركة الاحتجاجية المدنية والسلمية تفقد محركاتها وقاعدتها الاجتماعية لصالح القوى الأكثر عنفاً. وفي ذروة انكسار الحركة السلمية وفقدان السوريين قدرتهم على التأثر في مجرى الأحداث في بلدهم ظهر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، الذي سيُطلق عليه لاحقًا اسمه القدحي المُختصر “داعش”. وهذا التنظيم هو التجلي الأحدث في سلسلة من تنظيمات السلفية الجهادية التي بدأت تتكون إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين. فكان تنظيم “قاعدة الجهاد” ثم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” أقرب سلفين زمنيين لتنظيم “داعش”، الذي تمكن من بعض المناطق في سورية ثم عاود الانتشار في العراق.
- تنظيم “داعش” وتركيبته البشرية:
بعد الإعلان عنه باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أطلق الناشطون المحليون في مدينة الرقة على التنظيم اسم “داعش”، بأخذ الحروف الأولى من كلمات اسمه باللغة العربية، وكذلك للإشارة إليه بصورة تبخيسية بوصفه سلعة أو منتج. ومنذ ذلك الوقت بدأ الاسم الجديد ينتشر في وسائل الإعلام وعلى ألسنة السياسيين حتى طغى على الاسم الأصلي. تشكل تنظيم داعش من أربعة روافد بشرية أساسية:
- بقايا تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” وهو تنظيم جهادي كان على صلة بتنظيم القاعدة واستفاد من تفكك الجيش العراقي والفوضى، التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، من خلال الاستثمار في غضب ضباط سابقين في هذه الجيش وضمهم إلى صفوفه. ويتألف بالدرجة الأولى من عراقيين.
- جهاديون أجانب، أتراك، شيشان، فرنسيين، بلجيكيين، بريطانيين، سعوديين، كويتيين، مصريين، تونسيين، مغربيين، جزائريين وغيرهم.
- جهاديين سوريين كانوا معتقلين في السجون السورية أطلقهم نظام بشار الأسد من سجونه بمراسيم عفو ابتداءً من العام 2011.
- سوريين انضموا إلى تنظيم داعش بعد سيطرته على مناطقهم إما متأثرين بمشروعه أو طمعًا بالمكاسب وخاصة بعد ما بدا أن وجود التنظيم في المناطق
- التي سيطر عليها لا يجد تحديًا من قوى أخرى.
المختطفون، قضيتنا من أجل الحقيقة والعدالة :
نجح تنظيم داعش في فرض نفسه ابتداءً من مدينة الرقة. فقد اغتال عددًا من الناشطين المحليين ومقاتلي الجيش الحر ثم حارب بقية الفصائل الموجودة في المدينة وهزمها عسكريًا. وبموازاة ذلك بدأ بخطف عدد من الناشطين السلميين في شهر أيار من العام 2013، واستمرت ظاهرة الخطف مرافقة لتوسع التنظيم عسكريًا إلى مناطق جديدة في سورية والعراق. عمليات الخطف والاغتيال هذه دفعت عشرات الآلاف من الفاعلين المدنيين إلى ترك مدنهم وقراهم واللجوء إلى دول الجوار، ويبدو أنها النتيجة التي سعى إليها تنظيم داعش أصلًا، أي تفريغ هذه المناطق من أي رأي أو مشروع سياسي مختلف في هذه المناطق.
اجمالًا فإن مَنْ خطفهم التنظيم هم بالدرجة الأولى ناشطون معارضون عملوا في الحراك الديمقراطي منذ العام 2011 على الأقل. لقد كانت عمليات الخطف والاعتقال والاغتيال جزءً أساسيًا من خطة التنظيم لتسوية الأرضية الاجتماعية في المناطق التي نجح في السيطرة عليها. ولهذا فإن سوريين ينظرون إلى تنظيم داعش بوصفه جزءًا من الثورة المضادة التي دعمت نظام الأسد موضوعيًا وبينت للعالم وكأن الصراع في سورية يجري بين نظام علماني والسلفية الجهادية، في حين أن تنظيم داعش قضى فعليًا على الحراك الشعبي الديمقراطي في كل المناطق التي سيطر وغطت جرائمه على المجازر التي ارتكبها نظام الأسد بحق السوريين.
على أرض الواقع، حدثتْ عمليات الخطف والاعتقال والأسر بالتزامن مع صعود تنظيم داعش بقاءه واستقراره وأيضًا بوصفها نتيجة لهذا الصعود والبقاء، ولذا فمن المنطقي أن يفكر المرء أن سقوط التنظيم سيؤدي إلى المساعدة في معرفة مصائرهم وملاحقة من بقوا على قيد الحياة من المسؤولين عن هذه الارتكابات. لكن، وبعد انهيار التنظيم في العراق أولًا ثم في سورية بدا واضحًا أن القوى التي حلت محل تنظيم داعش في السيطرة على مناطق تواجده السابقة غير معنية بالأوضاع الإنسانية التي خلفها داعش.
ولهذا فإن أُسر المختطفين والمفقودين والمخفيين قسرًا بدأت التحرك من أجل بناء قضايا الاختفاء القسري التي خلفها التنظيم.
إن عملنا كأُسر على ملفات احبتنا المخفيين قسرًا هو مقاومة للنسيان وتثبيت لسرديتنا ومنع الأقوياء المتحكمين من معاملة آلامنا بوصفها خسائر جانبية لصراعاتهم.
للتو بدأنا مسارنا نحو الحقيقة والعدالة، حقيقة مصائر احبتنا وطلب العدالة لهم ولنا.