ولد محمد حسن خليل في مدينة اللاذقية في 11 كانون الثاني 1971 حيث درس في كلية الدفاع الجوي وأصبح ضابطًا في الجيش السوري إلا أنه تقاعد بعد خمسة عشر عام قضاهم في خدمة الجيش السوري وذلك لإدراكه بأن هذه المؤسسة العسكرية لا تلتزم بأي من المبادئ الوطنية والمهنية في خدمة قضايا الوطن.
بالإضافة لذلك، تتميز هذه المؤسسة بسوء ظروف العمل وبسيطرة نظام الامتيازات والسرقات والوساطات بالإضافة إلى استغلال الموارد المالية وكل الوسائل المتاحة لأغراض شخصية من قبل الضباط. كان محمد دائماً ما يشعر بعدم المساواة والظلم الذي يقع على عاتق المواطن السوري خاصةً أثناء تأديته لخدمة العلم في الجيش السوري. ظلّ محمد يسعى إلى تغير ظروف العمل مطالبًا مرؤوسيه بتطبيق النظام واتباع القانون وفي نفس الوقت كان يحاول العمل على تقديم استقالته وذلك لمدة ثلاث سنوات لأن حتى الاستقالة من الجيش السوري كانت تحتاج لجهد ووساطة ودعم من شخص مسؤول.
حظي محمد أخيرًا باستقالته وبدأ العمل في مختبر للتعويضات السنية. محمد، أب لثلاث أطفال سارة طارق وعمر، عُرف بوده وتعامله اللطيف مع الآخرين، كان مثقفًا يهوى المطالعة وبالأخص القراءات ذات الطابع السياسي وبعض الروايات كما كان من محبي الأفلام الوثائقية. مرفت زوجة محمد تتحدث عن علاقتها معه كعلاقة يسودها الحب والاحترام وتذكره كزوج كان داعمًا في حياتها :
“محمد كان داعم ، الاحترام هو أساس للعلاقة بيننا بالإضافة للحب والاحترام كان واثق من نفسه وقادر يعترف بغلطه ، كان يدفعني لأنجح كان متفهم ولين ومحاور كتير حلو، بالحوار كنا نحل كل مشاكلنا، بهدوء وبالمنطق وكان محترم حريتي وخصوصتي”
لم يكن لمحمد أي نشاط سياسي في السابق إلا أنه بعد أن بدأ الربيع العربي وأخذت بعض الشعوب العربية بالانتفاض ضد أنظمتها أصبح أكثر اهتماما بالوضع السياسي بشكل عام. بعد انطلاق الثورة السورية، أصبح هذا الاهتمام أكثر وضوحًا وبدأ يتجسد على أرض الواقع بمحاولات بالانخراط في الحراك الشعبي في سوريا. كان يحاول جاهداً التواصل مع الناس ليشارك في الاحتجاجات السلمية ضد النظام السوري وبالفعل استطاع أن يشارك في أولى المظاهرات السلمية التي بدأت في دمشق مما أدى إلى اعتقاله ثلاث مرات. رغم ظروف الاعتقال الصعبة والتهديد الأمني الكبير الذي كان يتعرض له لم يتوقف محمد عن المشاركة في المظاهرات واستمر بنشاطه السلمي.
بعد الاعتقال الثالث قرر مغادرة مدينة دمشق وذهب إلى ريف اللاذقية حيث أخذت أولى مجموعات الجيش الحر بالتشكل، فقرر الالتحاق بالجيش السوري الحر وبدأ بتقدم خبرته العسكرية كضابط سابق من أجل خدمة الثورة السورية ولتحقيق أهدافها بإسقاط النظام وإقامة دولة مدنية ديمقراطية.
مع بدء صعود المجموعات المسلحة الراديكالية وجد الجيش السوري الحر نفسه في مواجهة الاثنين معًا الجيش السوري النظامي والمتطرفين ولذلك فإن محمد كمسؤول في الجيش الحر أصبح هدفًا للمتشددين كجبهة النصرة و داعش من جهة ونظام الأسد من جهة أخرى. بعد ملاحقة جبهة النصرة له وتهديدها المباشر لحياته اضطر للانتقال إلى ريف حلب المحرر والخاضع لسيطرة المعارضة وتابع عمله في صفوف الجيش الحر الذي كان في ذلك الوقت يسعى للتصدي لتنظيم داعش الذي بدأ بالتقدم والسيطرة على عدة مناطق في سوريا.
استمر محمد بعمله مع مجموعات الجيش الحر وكان آخرها لواء المعتصم إلى أن تم اختطافه في الثاني من حزيران عام 2016. كان قد عاد من زيارة له في تركيا وعبر معبر باب الهوى حيث تم اختطافه في إحدى المناطق القريبة المسيطر عليها من قبل داعش والتي كانت أيضًا مرصودة بما يعرف “بالخلايا النائمة” التابعة لداعش، وهم عناصر لم تعلن بشكل رسمي عن انتسابها لتنظيم داعش ولكنها تعمل لصالحه بمثابة مخبرين يقومون بمراقبة ورصد تحركات وأنشطة الناشطين السوريين و الأشخاص الفاعلين الرافضين لوجود تنظيم داعش ولمنهجه وأفكاره. محمد كان دائم التخوف من أن يتم اختطافه من قبلهم لأنهم الأقرب جغرافيًا إلى المنطقة التي كان يعمل فيها، بالإضافة إلى تخوفه من جبهة النصرة التي كانت أيضًا ترصده ودائمة الاستفسار عن طبيعة عمله وأماكن تواجده.
.
تواصلت زوجته ميرڤت مع كل من كان يعمل مع محمد أو حتى يعرفه لكي يساعدوها في البحث عنه أو معرفة ما حصل له، ولكن لم يتوصل أحد إلى أي معلومة مؤكدة أو إلى أي دليل قاطع، المعلومات كانت غير دقيقة وتعكس مجرد احتمالات وتحليلات من دون أي وثائق أو أدلة تثبت فعلًا حقيقة ما حصل. حيث تلقت مرفت الكثير من الوعود والتطمينات من قبل أصدقائه ولكن دون جدوى و حتى اليوم لا تزال عائلته تنتظر خبر عنه و لا يزال مصيره مجهول.
اليوم وبعد سنوات على تغيب محمد قسريًا تعيش عائلته في مخيم لعائلات الضباط في تركيا ويتابع الأطفال دراستهم إلا لا يزالون يفتقدون وجود السند والشخص الذي يعتمدون عليه في كل شيء معنوياً ومادياً وعاطفياً. استمرت الصدمة النفسية وقت طويل لدى أفراد الأسرة وأصبح أبناءه ميالين للانطواء أو للعدوانية بعض الأحيان كما تراجعوا في دراستهم. فيما بعد، لم يعد الفيلق الذي كان يعمل معه محمد يرسل الراتب الشهري لأسرته رغم المطالبة بذلك مما أثر كثيرًا على الوضع الاقتصادي للعائلة. مرفت تصف حياتها بغياب محمد” بالمد والجزر” مشيرة إلى صعوبة انتظار المجهول واصفةً إياه بأصعبمن الموت:
“وضعي بغيابه كتير صعب ينشرح، مرات بحس مثل كأني بحداد دائم، وهذا الحداد بيتجدد مع كل خبر ، كل مرة بحاول اقتنع بفكرة شوف حياتي وبلش من جديد ، بالنهاية ، بيجي شي خبر ما برجعني لنقطة الصفر، محمد رح يضل قضيتي…. حياتي بين مد وجزر بغيابه، هذا الشيء كتير بوجع ، كتير صعب ينشرح”
رغم كل الصعوبات وألم الفقد لم تستسلم العائلة، بل تلاحم أفرادها أكثر واستمروا في البحث عنه وتسجيل حالة اختطافه لدى العديد من الجهات الحقوقية. تشكل اليوم أسرة محمد جزء من تحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى داعش وترى أنه على جميع الدول وجميع المنظمات الانسانية والحقوقية التحرك من أجل معرفة مصير المختطفين والمغيبين في سوريا وتقديم المسؤولين إلى محاكم دولية علنية حتى تسترد عائلات المغيبين جزأ من حقوقهم.