صادف يوم الرابع عشر من كانون الثاني الذكرى السنوية السابعة على أحداث حي “البغيلية” في دير الزور وما نتج عنها من مجازر بحق سكانه ودمار ونهب وشتات وإخفاء العشرات من سكانه مِمَن لا تزال مصائرهم مجهولة حتى اليوم.

فقد تعرض سكان حي “البغيلية” في دير الزور إلى محنة شديدة لا تزال آثارها في نفس من شهدها حتى يومنا هذا. إذ بُوغت الأهالي بهجوم منظم شنه تنظيم “داعش” على الحي ليلة 14 كانون الثاني 2016، قُتل فيه وفُقدَ ما يزيد على 100 شخص. لقد وقع سكان الحي المدنيين ضحايا تحرك أمني عسكري كان مطلوبًا على رقعة الشطرنج السورية في تلك الأيام من جانب كل من نظام الأسد وتنظيم “داعش”. نظام الأسد كان مرتاحًا إلى تمدد تنظيم “داعش” على حساب قوى الثورة والمجتمع المدني وما نتج عن الثورة السلمية من تنوع وتعدد سياسي ليُظهر هو في المقابل بوصفه نظامًا يحارب تنظيمًا إرهابياً متشدداً وظلامياً، بينما كان التنظيم يسعى إلى توسيع رقعة انتشاره في محافظة دير الزور وإلى تضييق الخناق على نظام الأسد في المحافظة.

سكان حي “البغيلية” دفعوا ثمن الموقع الجغرافي لمنطقتهم، إذ أن قربه من الطريق الدولي الذي يربط دير الزور بالرقة وحلب من جهة “الشامية”، ووقوعه قريبًا من مركز مدينة دير الزور، حوالي 10 كم فقط، وسهولة العبور إليه من “الجزيرة” عبر القوارب، كلها عوامل ساعدت في المصير المؤلم لسكان الحي في تلك الساعات المرعبة.

يروي الشاهد أ.ع: “دخل التنظيم بعد العشاء ليلة الجمعة، صباح السبت. استمر اطلاق النار حتى الساعة الحادية عشرة ظهرًا. انتشر عناصر التنظيم بكثافة وكانت ترافقهم معهم أفراد من خلايا نائمة قامت بإدخالهم إلى الحارات وأرشدتهم على كل شيء بالتفصيل… وعند الصباح حدثت معركة لمدة أربع ساعات أو خمس ساعات ثم توقفت. سيطر التنظيم على “البغيلية” وحي “الرواد” وحتى حدود فندق “فرات الشام”… كما سيطر أيضًا على مستودعات “عياش”. بقي النظام في منطقة “الحجيف” وقصف “البغيلية” بالطيران وقد قضى بعض الأهالي أثناء القصف كما، قصف النظام أيضًا المعابر النهرية”.

“لم يسمح عناصرُ التنظيم لأهالي الحي بالخروج حيث قاموا بجمعهم… وأخذوا قرابة 70 شخصاً منهم أحياء…هؤلاء اختفوا… وقسم منهم تركوهم لليوم التالي”… وخيروهم: “نعتقكم مقابل التخلي عن أموالكم ومن رفض أعدموه. أعدموا بعض الرافضين أمام أهاليهم ليدبوا الرعب في قلوبهم”.

ويُضيف أ.ع أن تنظيم “داعش” نفذ مجزرة أيضًا بحق سكان “البغيلية”…”فقد حفروا لدفن الجثث على طريق “الراط” باتجاه الشمال على كتف نهر الفرات حيث قاموا بحفر حفرة كبيرة ثم رموا الجثث باستخدام تركس ودفنوها”. لاحقًا، ربما في الشهر السابع من العام 2016، وبعد خروج التنظيم من “البغيلية” قام الأهالي بإعادة دفن أبناءهم”.

يُكرر أ.ع الحديث عن منهجية تنظيم “داعش” في فرز الأهالي وفق السن والمقدرة المالية والموقف من التنظيم، يقول: “جمعوا كبار السن بشكل منفصل، ومن هم فوق الأربعين عامًا والشباب والنساء والأطفال أخرجوهم مشيًا على الأقدام إلى خارج “البغيلية”، من جامع “البغيلية الأوسط” إلى بعد “عياش” بعد “معسكر الصاعقة”… هناك أخذوا الرجال وكبار السن إلى منطقة معدان لاتباع دورات شرعية، أما الشباب فقد اختفوا… 80 % منهم اختفوا. ومن قبل منهم الانضمام إلى التنظيم سُويت أموره، ومن لم يقبل الانضمام، كان عليه إما أن يدفع ماله أو يقتلوه”.

ويذكر أ.ع أمثلة محددة عن أشخاص جردهم التنظيم من كل ما يملكون من أجل “عتق رقابهم”: “أثنان من أقاربي قدما سيارتيهما للنجاة بحياتيهما، لكن  التنظيم قال لهما هذه السيارات والأبقار والأغنام أصبحت لبيت مال المسلمين، أما ما لديكم من ذهب أو مال فيجب أن تقدماه إلى التنظيم لنعفو عنكم”.

معاملة المُسنين ليست مختلفة في نتائجها عن معاملة الشباب والكهول حسب رواية الشاهد أ.ع يقول: “أما بعض كبار السن مِمَنْ لم يدفعوا لهم فأجبرهم التنظيم على اتباع دورة شرعية أو دورة استتابة كما يسمونها. ومن لم يقبل باتباعها أعدموه”. ويقدم مثالًا حالة جار له، وهو رجل ثمانيني، قتله “داعش”. التنظيم طالب الرجل الثمانيني بأمواله وكان في ما سبق “موظفًا سابق في إحدى الدوائر الحكومية”: أين رواتبك ومالك والذهب؟. أخبرهم بأن ابنته قد أخذت المال والذهب ورحلت قبله. فأعدموه”.

وعن المقابر الجماعية وتعامل التنظيم مع جثث ضحاياه يقول أ.ع: “توجد معلومات عن دفن الناس الذين تم إعدامهم بجانب معمل الخراطيم، على طريق الحسكة الجديد. هناك قام التنظيم بحفر خط مجرور بجانب المحلجة ويذهب إلى المعمل حيث كان هناك “راكار” كبير وفيه رمى عناصر التنظيم هذه الجثث”. ويقول أ.ع إنه شاهد “حوالي عشر جثث كانت قد سحبتها الكلاب وكانت ظاهرة للعيان”.

عائلة الشاهد أ.ع طالها أذى التنظيم أيضًا: “دخل عناصرُ التنظيم حارتنا وأخذوا أخوتي الاثنين وابن أخ زوجة والدي واثنين من جيراننا… أعدموا واحد من أخوتي والثاني لا يزال مخفيًا، هو وابن أخ زوجة والدي”.

ولم يكن مصير المتعاملين مع التنظيم وخلاياه النائمة أفضل حالًا: “بعد انتهاء عملهم قاموا بتصفيتهم أو قتلهم في حويجة “البغيلية” وقسم منهم هرب وقام بتسليم نفسه للنظام”.

ويقدر عدد الأشخاص الذين قتلهم تنظيم “داعش” في “البغيلية” بين 100 و130 شخصًا. من هؤلاء 70 شخصًا وضعهم التنظيم في مبنى التأمينات الاجتماعية بحي “الحويقة” بجانب جسر “عصمان بيك”. بقوا محبوسين لمدة عشرة أيام ثم بعدها اختفوا هم ومن كان يحتجزهم بالتأمينات ولم يبق أي شخص في التأمينات”.

ونظرًا لعدم قدرة الأهالي على الوصول إلى أُسر الضحايا كافة بسبب الشتات والظروف الأمنية القائمة اليوم، فإن 129 شخصًا تم توثيقهم بالاسم: 14 طفلًا، و10 نساء، و105 رجال، جميعهم بين قتيل ومفقود.