يروي أحد شبان عشيرة “الشعيطات” ما رآه وخبره من أحداث ومواقف جرت في منطقته قبل وأثناء سيطرة تنظيم “داعش” عليها.

دخل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” إلى مناطق عشيرة “الشعيطات” لأول مرة بتاريخ 5 تموز 2014. كان التنظيم قد سيطر بحلول هذا التاريخ على كامل ريف دير الزور الشرقي. جاء توسع “داعش” على حساب فصائل الجيش الحر، التي سلم أفرادها أسلحتهم وتوجه معظمهم إلى مناطق القلمون وإدلب. اتخذ “داعش” من بلدية مدينة “الكشكية” مقرًا له.

يقول الشاهد إن قصة “الشعيطات” مع تنظيم “داعش” بدأت حين عمد التنظيم إلى “مضايقة الناس في منطقة “الشعيطات” بحجة أنهم كانوا يحاربون تنظيم الدولة في معاركه ضد فصائل الجيش الحر. وانتهت هذا المضايقات بمداهمة ضخمة بتاريخ 1 آب 2014 حين دخل رتل كبير من السيارات والعناصر وداهم مدينه “الكشكية”. اعتقل “داعش”  حينها أكثر من ٤٠ شخصًا بذريعة أنهم يُضمرون نية مقاتلة الدولة في الأيام القادمة”.

لكن حدثت أيضًا حوادث متفرقة ساهمت في تأجيج مقاومة الناس للتنظيم من جهة وفي توحشه ضدهم من جهة ثانية. ” فقد قتل “داعش” شخصًا من “الشعيطات” كان قادمًا لتوه من إحدى دول الخليج. هذا الرجل حاول تخليص شقيقة من عناصر التنظيم الذين كانوا يقتادونه لاعتقاله، فقتلوه لأنه قاومهم؛ كما قتل “داعش” أحد جيراني بتهمه حمل السلاح ضده”.

حدثت اشتباكات انتهت بطرد عناصر تنظيم “داعش” من مقرهم في “الكشكية” وقتل بعضهم أثناء الاشتباكات. وهذه “كانت لحظة بدء المعركة ببن أبناء عشيرة “الشعيطات” والتنظيم.

ويتذكر الشاهد “استمرت المعركة أكثر من ١٤ يومًا… استطاع أبناء “الشعيطات” الصمود بوجه التنظيم يفوقهم عددًا وتسليحًا بعد كل ما استولى عليه من عتاد في الموصل… نصب مدفعًا في الجهة المقابلة لبلدة “أبو حمام” على الضفة الأخرى من الفرات في قرية تدعى “الدوير”. مما أدى إلى حالة رعب بين الناس دفعتهم إلى النزوح باتجاه منطقتي “هجين” و”السوسة”.

حقق “داعش” اخترقات على الجبهة الشمالية، قرى “الجرذي” و”أبو حردوب” المتاخمة لقرى “الشعيطات” من جهة الغرب. وبعد استنفاد  كل الذخيرة. وبسبب كثرة المصابين أثناء المعركة، دون وجود علاج، وبسبب كثافة القصف من قبل التنظيم وامتناع أبناء القرى المجاورة عن مساعدة “الشعيطات”، تمكن التنظيم من إدخال سيارة مفخخة إلى قرية “البحرة” وتفجيرها لتقتل أفراد عائلتين منها”. بعدها تمكن التنظيم من دخول قرى “الشعيطات” كلها، ونشر قناصيه فوق أسطح المباني.

بتاريخ 15 آب 2014، وبعد تمكن تنظيم الدولة من السيطرة الكاملة على قرى “الشعيطات”، أصدر شرعي التنظيم في ما يُسميه التنظيم “ولاية الخير”، أي محافظة دير الزور، المُكنى بأبي فيصل الكويتي حكمًا يصف “الشعيطات” بـ”الطائفة الممتنعة بشوكة”. والطائفة الممتنعة حسب تصنيف التيارات السلفية الجهادية هي “أية طائفة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة”. وهذا معنى تكفير “الشعيطات” وتاليًا وجوب “قتل كل شخص بالغ وسبي أموالهم”.

وبعدها توجه رتل كبير من مقاتلي تنظيم الدولة باتجاه منطقة “السوسة” و”هجين” بحثًا عن أي شخص من أبناء “الشعيطات”. فدخل عناصر التنظيم أحدى المدراس في بلدة “الشعفة” حيث تقيم بضعة عوائل نازحة من “الشعيطات”. قتلوا حينها شخصًا أمام أبيه وأهله وضربوا رأسه بعد قطعه بالأرض”.

اقتاد عناصر التنظيم في ذاك اليوم الأسود كل رجل ألقوا القبض عليه. بلغ عدد من اعتقلوهم أكثر من مئتين شخص. هؤلاء جميعًا قتلهم “داعش” في بادية “الشعيطات” ومثَّلَ بجثثهم.

استمر التنظيم في ملاحقاته اليومية لأبناء “الشعيطات” لمدة ثلاثة أشهر. في كل يوم يتم اعتقال أكثر من عشرين شخص وقتلهم بطريق مرعبة. وفي تلك الفترة نهب عناصر التنظيم كل ما تحتويه بيوت أبناء “الشعيطات” من أثاث وماشية وسلبت محالهم التجارية.

بعدد مرور أكثر من أربع أشهر على هذا التاريخ أجبر التنظيم الأهالي، وبعد أن قتل أكثر 1200 شخصًا من أبناءهم ونهب ممتلكات وأرزاق أكثر من 170 ألف شخص، على تقديم بندقية حربية عن كل بيت.

عاد أهالي “الشعيطات” إلى قراهم بتاريخ ١٦كانون الأول 2014، ليجدوا الكثير من جثث أبناءهم ما تزال، حيث اُستشهدوا، في شوارع البلدات وجنباتها وفي بيوتهم التي قضوا دفاعًا عنها.